في قافلة الأوائل

وكيف لا تقتدي بنبيك (ص) في سبقه وفضله وأنت مأمور بالاقتداء به في كل شأنه، وهو الأعلى (ص) في كل فضيلة، والذي لم يأت ثانيا في أيمحمدة قط، وهو الذي علَّمك الصدارة ولقَّنك  السبق سلوكا وعملا حين قال:

« أنا سيد ولد آدم ، وأول من تنشقُّ عنه الأرض ، وأول شافع وأول مُشفَّع » 1.

وقال (ص):« أنا أول من يُؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يُؤذن له أن يرفع رأسه .. » 2.

ثم هو يغري أصحابه بالسبق دوما، ويغرس فيهم الطموح المستحب والتطلع اللذيذ، فيقول لهم يوما:

« أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أَوْجَبوا، ثم قال: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » 3.

وقد أوجب الله على نفسه أن يُدخل هذه الطائفة الجنة تفضلا منه وتدليلا لعباده وتشريفا لهم، وإلا فلا يُلزِم ربنا شيء حاشاه، ولعل سبب هذا التشريف ما في مبادرتهم من تضحية عظيمة ومخاطر جسيمة، حيث كان العرب على شجاعتهم وجرأتهم يخشون البحر ويرون ركوبه أعظم مخاطرة وأخوف المجهول. هذا لمن ركبه مسافرا آمنا، فكيف بمن ركبه ليلقى عدوه فيه؟

فإذا علمت أنه ليس أي عدو بل أعظم قوة عسكرية في ذلك الحين وهم الروم، فإذا انضم لذلك أنه لم يسبق لأحد من العرب أن غزا هؤلاء في بلادهم وعقر دارهم وهم بها أدرى وبقتالها أخبر ، إذن لعلمت هول الأمر وشدته.

ولهذا جاءت الجائزة التحفيزية لهؤلاء الأوائل على قدر التضحيات  التي لم يسبقهم إليها أحد : الجنة ولا أغلى.

قطار السابقين!!

وركب الصحابة قطار الأوائل وحجزوا مقاعدهم المباركة فيه، فأحرزوا  الأعمال النافعة غير المسبوقة؛ فأبو بكر مع كونه أول من أسلم من الرجال كان أول خطيب دعا إلى الله جهارا،  وأول من جمع القرآن، والفاروق: أول من أرَّخ من الهجرة، وأول من وضع الدواوين، وأول من أنشأ بيت المال، وأول من عسَّ في عمله ليتفقد الرعية بالليل، وغير ذلك كثير، وذو النورينعثمان: أول من هاجر بأهله من المسلمين، وأول من أنشأ أسطولا بحريا، والزبير بن العوام:  أول من شهر سيفا في سبيل الل 4، والأرقم بن أبي الأرقم: أول من بذل داره للدعوة وفتحها على مصراعيها لخيرعصبة عرفها التاريخ، وغيرهم وغيرهم.

هذا ركب الأوائل فأين إبداعُك؟! وثلة القلائل لا يقصر عنها باعك أو يضيق ذراعك، واندفع نحوهم يثير حميتك:  حرصك أن تُحرِز في دنياك السبق إلى الطاعات وانتصابك في القدوات، ورجاؤك مقابل ذلك في الآخرة: الفخر والزهو أنك من أوائل من يقرع أبواب الجنات.

قد تنصر دينك بعمل صالح في أرض مجدبة لم يصلها غيث الدعوة بعد، فكيف لو كان هذا العمل الدعوي مبدعا وعلى غير سابق مثال؟! قد تحيي فكرة مبتكرة يأوي بها الشباب إلى ظل إيماني وارف، ويتجمع تحت رايتها التائهون، فتغيظ بذلك المفسدين، وتُسعِد رب العالمين. قد تحيي سُنة هُجِرت، وتقيم شعيرة وئدت في بيئة انسلخت من دينها وحادت عن نهج نبيها. قد يستغرقك الحزن على محن أمتنا وحال غزتنا، فينقدح زناد فكرك وتتطاير معه شرارة عزمك لتسفر عن فتح عظيم النفع وفير البركة.

فلتكن من اليوم مهموما بهذا الهم النبيل، ولتتغيَّر محتويات قلبك وكيمياء مشاعرك ركضا وراء هذا الركب الجليل،  لتخرِج الفكرة هي الأولى من نوعها أو الأولى في مكانها لتكون السابق لغيرك في مدينتك أو قريتك أو جامعتك أو عشيرتك.


([1])صحيح: رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة كما في رقم: 1467.

([2])صحيح: رواه أحمد عن أبي الدرداء كما في مشكاة المصابيح رقم: 299.

([3])صحيح: انظر السلسلة الصحيحة رقم: 268، ومن علو همة النساء وسبقهن أن أم حرام بنت ملحان الأنصارية (وهي خالة أنس بن مالك وزوج عبادة بن الصامت) سمعت الشطر الأول من الحديث: «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا»، فقالت: يا رسول الله .. أنا فيهم؟! قال:  أنت فيهم، ثم أكمل رسول الله:« أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم»، فقالت أم حرام:  أنا منهم يا رسول الله؟! قال: لا، وتمر الأيام ويبقى أمل تحقق البشارة يداعب خيالها، وتركب أم حرام البحر مع زوجها في سنة سبع و عشرين من الهجرة جهادا مع معاوية لفتح قبرص، فصُرِعت عن دابتها حين خرجت من البحر فماتت شهيدة هناك، وكان النبي (ص)قد بشَّرها بالشهادة يوما حيث كانيغشاها ويقيل عندها.

 

 

([4])روى الذهبي في  سير أعلام النبلاء 1/41:عن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين، ونُفحت نفحة من الشيطان (سرت إشاعة) أن رسول الله أُخِذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده السيف، فمن رآه عجب، وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي (ص)، فقال: ما لك يا زبير؟ فأخبره وقال: أتيتُ أضرب بسيفي من أخذك!! حتى قيل أنه ما من  أحد يشهر سلاحه في سبيل الله ذودا عن الإسلام إلا وللزبير مثل أجره!!

 

 

اضف تعليقك

لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 144 زوار  على الموقع