الجنة أولا

عن أبي واقد الليثي أن رسول الله (ص) بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله (ص) وذهب واحد،  فلما وقفا على رسول الله (ص) سلَّما، فأما أحدهما فرأى فُرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله (ص) قال :

«ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال:

«أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» 1.

وهذا الحديث يلخِّص على نحو موجز ورائع موقف الناس من الله والسير إليه، وكيف أن جزاء كل واحد منهم كان من جنس عمله، فأما الأول:

« فأوى إلى الله فآواه الله»:

وفيه المسابقة إلى سد الفُرَج بمعنى التقدم إلى مواطن البذل والخيرات قبل الغير، والسبق إليها، وثوابها الرائع: إيواء الله الخالق العظيم الذي لا يقيِّد كرمه شيء ولا تضيق به حدود، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

وسد الفرج فيه معنى سد الثغرات التي لا تُسدُّ إلا بك، فإذا كنت في مكان لا ينصر فيه الإسلام أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر أو يرد غيبة مسلم أو يغض بصره أو يمسك لسانه غيرك، بحيث تكون الفضيلة متوقفة عليه وإلا ماتت، والخير نابع من وجودك وإلا انعدم، فعندها يتضاعف ثوابك وتنال أجر السابقين.

«وأمَّا الآخَر فاستحَيا فاستحيا الله منه»:

أي ترك المُزاحمة وَتخَطِّي الرقاب حياء من الله تعَالى ومن النبي (ص) والحضور، أو استحياءً منهم أن تأخر ولم يدرك الحلقة، أو استحى أن يُعرِض ذاهبا كما فعل الثالث، فاستحيا الله منه فرحمه ولم يُعذِّبه، وقيل: جازاه بعظيم الثواب، لكنه مع ذلك لم يلحق بدرجة صاحبه الأول في الفضل والرتبة الذي آواه ربه وأكرمه بلطفه وقربه، فشتان ما بين الدرجتين.

«وَأَما الثَّالث فأَعرض فأعرَض الله عنه»، وفي رواية أنس: «فاستغنى فاستغنى الله عنه»، أي لم يرحمه وسخِط عليه، وفي هذا إشارة إلى أَنَّه هذا الرجل ذهب مُعْرِضًا عن الخير لا لعذر وضرورة، وفيه ذم من زهد فى الخير وأعرض، وهذا حال أكثر الخلق كما ناجى بعض الصالحين ربه فقال:

« إلهي! ما أكثر المُعترضين عليك والمُعرضين عنك، وما أقل المُتعرِّضين لك ».

وإن المرء تتعدد أهدافه في دنياه، على حسب مراحل حياته ومسئولياته التي تتراكم عليه كلما تقدَّم في العمر، فهل تبقى الجنة في سلم الأولويات، أم تتراجع في ظل الضغوط والمغريات؟! هذا هو السؤال الذي يحتاج من كل منا إلى إجابة، وبسبب نسيان الإنسان وغفلته وجد عبد القادر الجيلاني نفسه مضطرا إلى أن يقول:

«اجعل آخرتك رأس مالك ودنياك ربحه، واصرف زمانك أولاً في تحصيل آخرتك، ثم إن فضل من زمانك شئ اصرفه في دنياك وفى طلب معاشك، ولا تجعل دنياك رأس مالك وآخرتك ربحه، ثم إن فضل من الزمان فضلة صرفتها في آخرتك» 2.

وطمأن الحسن البصري جموع الخائفين وعموم الحريصين على دنياهم والباذلين في سبيلها كل ما يملكون فقال موجِّها خطابه إلى الشباب خاصة:

«يا معشر الشباب!! عليكم بالآخرة فاطلبوها، فكثيرًا رأينا من طلب الآخرة فأدركها مع الدنيا، وما رأينا أحدًا طلب الدنيا فأدرك الآخرة مع الدنيا» 3.


([1]) صحيح : رواه الشيخان عن أبي واقد الليثي كما في اللؤلؤ والمرجان رقم : 1405

([2])فتوح الغيبص124ط دار القادري الأولى 1995 -1415

([3]) الزهد للبيهقي ص 9

 

اضف تعليقك

 
#1 علاء خضر الأربعاء, 13 يوليو 2011
تسلم يا شيخ على هادا بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك وادعو لنا بالرحمة والتوبة
اقتباس
 
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 87 زوار  على الموقع