العزيز
اعتزَّ بربِّك تنَلْ كلَّ عِزٍّ
أولًا: أضلاع العزة الثلاثة
العزيز: الذي له العزَّةُ كُلُّها بأضلاعها الثلاثة:
1- عزَّةُ القُوَّة.
2- عزَّةُ الامتناع: الذي لا يُنَال جانبه، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العبادُ ضُرَّه فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه.
3- عزَّةُ الغَلَبة: قَهَرَ جميعَ الكائنات ودانت له الخلائق وخَضَعَتْ لعظمته.
ورد هذا الاسم في القرآن بصيغة التعريف (العزيز) أربعا وستين مرة.
وبصيغة التنكير (عزيز) أربعًا وعشرين مرة.
وهو الاسم الذي كلم الله به موسى أول ما كلَّمَه (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
هذا الاسم له أهمية عظيمة اليوم في ظل حال الذُّل الذي خيَّم على حياة الناس في ظل جهلهم باسم الله العزيز، وما يتطلبه إيمانهم بهذا الاسم من أسمال الجلال.
فأنت عبد (العزيز) لا عبدٌ مأمور، ولا عبد المال، ولا عبد الشهرة، فمن أراد العزة فلابد أن يعرف (العزيز)، ويتعرف على هذا الاسم.
ثانيًا: معنى اسم الله العزيز
واسم الله (العزيز) له ثلاثة معانٍ:
الأول: الندرة ونفاسة القدر
قال الغزالي:
«العزيز: هو الخطير الذي يقلُّ وجود مثله، وتشتدُّ الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز.
فلا بدُّ إذًا من اجتماع المعاني الثلاثة (ليصحَّ الوصف بالعزَّة).
وفيما يتعلَّق بالمعنى الثالث وهو صعوبة الوصول إلى (العزيز)، فالكمال في ذلك يتمثَّل في استحالة الوصول إليه، على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلا لله عز وجل، فالله عز وجل بذلك هو العزيز المطلق الحق، لا يوازيه في ذلك الاسم غيره» ().
المعني الثاني: القوة والغلبة:
ومنه قول الله تعالى: (وعزني في الخطاب)
يقول القرطبي:
«العزيز معناه المنيع الذي لا يُنال ولا يُغالَب» ().
فلا أحد يستطيع أن يُغالِب الله عز وجل، فعزَّ بمعنى: غلب، وفي المثل العربي: (من عزَّ بزَّ) أي: مَن غلب أخذ المتاع، فالعزة بمعنى: الغلبة.
وهذه العزة والقوة لا يقف في وجهها شيء، ولو كان ذلك مرضًا عضالًا حار فيه الأطباء وأعيا الأذكياء، فهذا عثمان بن أبي العاص t يقص علينا خبره مع الله (العزيز)، فيقول:
أتيت النبي ^ وبي وَجَع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله ^:
«ضَعْ يمينك على المكان الذي تشتكي، فامسح بها سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شرِّ ما أجِد، في كل مسحة».
قال: ففعلت ذلك، فأذْهَبَ الله ما كَان بي، فلمْ أزَل آمرُ به أهلي وغيرَهم().
وهذه القوة الإلهية في مقابل الضعف البشري، وقد ضرب الله لهذا الضعف الشديد مثلًا عجيبًا، فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
المعنى الثالث: المُعِزُّ:
(العزيز) هو المعز أي مصدر العزة كما نقول في اللغة: الأليم بمعنى المؤلم. قال تعالى:
﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران/26].
فمن طلب العز فليطلبه من رب العزة ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا .... ﴾ [فاطر/10].
ومن أحبَّ أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة من يملك وحدَهُ العِزَّة.
فكلما زادت الطاعة زادت العزة؛ ولذا فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم ممن اتبعهم من المؤمنين، وعزة كلِّ واحد بقدر علو رتبته في الطاعة، فكلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان أعظم عزة وأكمل رفعة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون/8]
قال قتادة في تفسيرها:
«من كان يريد العِزَّة، فليتعزَّز بطاعة الله تعالى» ().
عرف ربه العزيز من اعتز بطاعة الله والتزم شرعَه.
ما عرف ربه العزيز من لم يجعل عزَّته في دينه والتزامه.
الإسلام مصدر العزة
قال ابن القيِّم:
(العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو عِلمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139[، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا» ().
فلتعلم مصدر العِزَّة، فمَنْ طلبها من الله وجدها عنده غير ممنوعة عنه ولا محجوبة، ومن طلبها من غيره، وَكَلَه الله إلى من طلبها عنده، فوجد السراب.
وقد علَّمنا هذا الدرس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما قدِم الشام، وعليه ثياب مرقَّعة، وهو آخذٌ برأس راحلته يخوض في مخاضة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالتك هذه، فقال:
«إنا قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نطلب العِزَّ في غيره» ().
(العزيز)..
لا عزيز عنده إن خالف أمره، ولو كان خيرَ الخلق وشامة الرُّسُل؛ لأن (العزيز) لا يقبل خروج أحدٍ على طاعته، ولو كان من كان: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ والوتين عِرق الرقبة، وهذا التهديد فيه شدة بلا شك ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾، ولن ينفعه أحد منكم.
وقضى العزيز أن الذل مصير من عصاه! فمن عصى العزيز أذله ولابد.
عرف ربه العزيز من عاش عزيزًا بدينه، فلم يُذِلَّ نفسه لأحد.
ما عرف ربه العزيز من عاش ذليلًا لغيره، وتذلل للخلق دون الخالق.
ثالثًا: فادعوه بها عبادة وعملًا
الأول: توحيد التوكل
عن عبد الله بن مسعود قال:
«إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرُسه، أو ظلمه، فليقل:
اللهم ربَّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم، كن لي جارًا من فلان بن فلان وأحزابِه من خلائقك، أن يفرُطَ عليَّ أحدٌ منهم، أو يطغى، عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله إلا أنت»().
الثاني: كمال التنزيه
ومن كمال العزة تنزيهه سبحانه عن كل سوء وشرٍّ ونقص، وفي ذلك يقول ابن القيم:
«اسمه (العزيز) الذي له العزة التامة. ومن تمام عزته: براءته عن كل سوء وشر وعيب، فإن ذلك ينافي العزة التامة»().
عرف ربه العزيز من نزَّه ربه عن كل ما لا يليق به من سوء وشرٍّ وعيب وعجز.
ما عرف ربه العزيز من لم ينزِّه ربه عن كل ما لا يليق به من سوء وشرٍّ وعيب وعجز.
الثالث: تصريف القلوب
ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه، وهو يجعل العبد خائفًا من ربه سبحانه، لائذًا بجنابه معتصمًا به، متبرئًا من حوله وقوته، سائلًا ربه حفظ قلبه وصلاح دينه ودنياه، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم:
«... وأنه لكمال عزته حكم على العبد، وقضى عليه بأن قلب قلبه وصرف إرادته على ما يشاء وحال بين العبد وقلبه، وجعله مريدًا شائيًّا لما شاء منه العزيز الحكيم، وهذا من كمال العزة، إذ لا يقدر على ذلك إلا الله، وغاية المخلوق أن يتصرف في بدنك وظاهرك. وأما جعلك مريدًا شائيًّا لما يشاؤه منك ويريده: فلا يقدر عليه إلا ذو العزة الباهرة.
فإذا عرف العبد عز سيده ولاحظه بقلبه، وتمكن شهوده منه، كان الاشتغال به عن ذل المعصية أولى به وأنفع له؛ لأنه يصير مع الله لا مع نفسه.
ومن معرفة عزته في قضائه: أن يعرف أنه مدبَّر مقهور، ناصيته بيد غيره. لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته، فهو ذليل حقير، في قبضة عزيز حميد»().