العادة السيئة .. الفهم (الجزء الأول)

صارت الشهوة عبئا كبيرا على أكثر الشباب اليوم، في ظل تعسر سبل الزواج، وغزو الصور المحرمة، وسهولة الوصول لها بما لم يكن متاحا قبل عشر سنوات مثلا، فصرنا نعيش اليوم في عالم يموج بالإباحية، وتجارة الإباحية تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وغزت بيوتنا، وأجهزتنا، وهواتفنا الذكية والغبية!


حتى أفسدت –لا أقول على الناس حياتهم- بل وعلى المؤمنين صلاتهم وعبادتهم، حتى انكسرت روح المؤمن، وانجرحت فطرته السوية، وهو يسعى وراء  إشباع شهوته من أي طريق.

هو داء اصطلى بناره الشباب والبنات، والكبار والصغار، والمتزوجون وغير المتزوجين، في حرب باتت من أخطر الحروب؛ لأنها تتسلل إلى مخادعنا وأطفالنا دون أن نشعر، وتحطِّم نفوسنا إن لم ننتبه لها.

ولا نستطيع الهرب منها؛ لأنها صارت مبثوثة في كل مكان، بل لابد من مواجهتها وحسن التعامل معها.

وقد أدى هذا لمحاولات تصريف هذه الشهوة المتصاعدة إلى الوقوع في أسر العادة السيئة، وضاعف من الأثر السلبي لهذه العادة أن تقع من بعض الملتزمين، أو من يراهم الناس كذلك، وينظرون إليه على أنه قدوة، وقد يستشيرونه في هذه المشكلة بينما هو واقع فيها معهم! فيتضاعف عليه الهَمُّ، ويحس أنه منافق؛ لأنه يلقى الناس بوجهٍ غير الذي يخلو به مع ربه، فيؤدي هذا إلى انكسار نفسي، وإحساس دائم بالذنب، واليأس من محاولات القرب من الله وإصلاح النفس.

ووصل الأمر بالبعض للاكتئاب، وتفاقم فوصل إلى حالات مرضية ووسواس قهري، واندفع البعض في حالات متأخرة للانتحار!

هذه النقاط العشرة ليست عصا سحرية، ولا زرا تضغط عليه فتتغير في الحال، لكنها إرشادات لزيادة الوعي والفهم الذي بدوره يغير السلوك، وما لم تفهم سبب المشكلة، وتعرف سياسة التعامل مع النفس، فلن تستطيع تغيير سلوكك، ولا يتغير السلوك بشكل دائم إلا إن تغير الفكر الذي أدى لهذا السلوك، فالفهم الخاطئ يقود إلى السلوك الخاطئ.

ولذا كان هدف مقالتي تصحيح الأفكار والممارسات المتعلقة بالشهوة، وكلامي هنا من باب الإنذار المبكر، لعلاج الأمر من بداياته قبل أن يستفحل ويصعب التعامل معه.

وإليك هذه النقاط:

1. المتوالية الشيطانية:

العادة السرية تبدأ أول ما تبدأ لتفريغ الشهوة، ثم يتدرج الأمر بمرور الوقت إلى استعمالها لاستجلاب الشهوة، ثم يكون إدمانها، ثم الانتقال بعد إدمانها إلى إدمان المواقع الإباحية، ثم الانجرار من المواقع الإباحية إلى مقاطع الشذوذ والممارسات غير السوية، ثم الانزلاق للبحث عن فرص الزنا وارتكاب الفواحش.

إن من القناعات الخاطئة التي تحتاج إلى مراجعة: ظنُّ البعض أن العادة السرية حلٌّ سريع لمشكلة الشهوة المتصاعدة، وأنها تطفئ نارها، وهي على النقيض من ذلك.

2. فك لغز علاقة الروح بالجسد:

في لفتة رائعة لابن القيم في إحدى فوائده أشار إلى أن الله تعالى خلق آدم من الأرْض، وجعل روحه من ملكوت السَّماء، وجمع بينهما حين نفخ فيه من روحه، ويسلك العبد في حياته أحد مسارين:

- إذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه في خدمة ربه، وجدت روح العبد خفَّة وراحة وسكينة وطمأنينة، وتاقت إلى الموضع الذي خُلِقت منه وهو السماء، واشتاقت إلى عالمها العلوي والجنة.

- وإذا أشبع العبد بدنه ونعَّمه واشتغل بخدمته وراحته أخلد البدن إلى الأرض، وهو الموضع الذي خُلِق منه، فانجذبت الروح معه فصارت في سجن شهواتها وملذاتها.

وهذا يشير إلى سبب المشكلة، وأن ممارسة العادة السيئة إنما هو عرَض لمرض، ورأس الجليد الطافي فوق السطح، بينما يُخفي تحته ضعفا في الإيمان، وخدمة الجسد على حساب الروح، وخللا في الأولويات، وطالما قلَّ زاد الروح فسيظل صاحبها منساقا وراء شهواته، مصطليا بنارها.

ومن أراد النجاة، فعليه بالتزود لروحه، ومراجعة عباداته، وتفقد فرائضه، فكلما قويت الروح، كانت عصيَّة على الاستجابة لأهوائها والخضوع لأوامر شيطانها.

3. فهم مداخل إبليس في المعركة:

من وسائل الشيطان فى غواية بني آدم الاستحواذ على الثغور، ثم التسلل منها إلى القلب، وثغور العبد خمسة: البصر والسمع والشم والقدمان واليدان، ومن أهمها الثغور ثغر أو (بوابة) العين، ويدخلها الشيطان من طريقين:

الأول: صرف العين عن مواطن الاعتبار

ومواطن الاعتبار هي:

- آيات الله المقروءة في القرآن، فيصرفك عنها بالشواغل والمغريات والصفحات والشات! فإن لم يظفر منك بذلك صرف قلبك عن تدبُّر الآيات.

- آيات الله المشاهدة في الكون، وذلك بإلهاء العبد عن التفكر فيها، وتحقير عظمتها في قلبه.

والثاني: توجيه العين إلى النظر المحرم

بصرفها إلى ما يثير بها كوامن الغرائز ويلهبها في صور أو مشاهد مصورة أو كاسيات عاريات يملأن الشاشات والصفحات والطرقات.

واستيلاء الشيطان على العين هو أسهل الطرق لغزو القلب واحتلاله، والقلب ملك، والجوارح جنود، فيستحوذ الشيطان على كيان العبد كلِّه من خلال ثغر العين، ويبدِّد تقواه، ويفقده ثقته بنفسه وإيمانه بربه.

4. إدارة الخواطر والهموم لا منعها!

والخواطر نوعان: عابرة ومستقرة، وحين تستقر الخواطر في العقل تتحول إلى هموم دائمة تملك على الفرد كيانه ومشاعره.

لكن كيف تستقر الخواطر وتتحول إلى هموم؟!

تستقر الخواطر في الذهن إما لتكرارها وكثرة التعرض لها، أو لأنها صادفت رغبة دفينة في القلب ومحبة جارفة من العبد.

ومعلوم أن استيلاء همِّ من الهموم على القلب يمنع القلب من الالتفات لغيره من الهموم.

كيف؟‍!

تخيَّل نفسك مريضا بمرض شديد، أو أن أحب الناس إلى قلبك على وشك الموت، أو أنك في انتظار امتحان مصيري يحدِّد مستقبلك، أو أن فقرا شديدا أصابك واضطرك إلى ذل السؤال.

إن أي همٍّ من الهموم السابقة كفيلٌ أن يُنسيك أي همٍّ آخر أو أي شهوة مهما برزت وأغرَت.

وهنا تبرز أهمية رعاية الخواطر والهموم، وأن الاهتمام بها من أهم طرق إصلاح القلوب، وذلك من طريقين:

الأول: محاصرة الخواطر والأفكار السيئة داخل حدود عقلك أولا، وعدم الاسترسال معها، مثل تخيّل صور عارية، أو أوضاع محرّمة؛ قبل أن تهيِّج النفس على مواقعة الحرام، فلا شك أن صرف الذهن عن الأفكار الرديئة هو خط دفاع قوي ضد وقوع السيئات.

الثاني: وهو الأجدى والأنفع: مزاحمة الخواطر الرديئة بخواطرحسنة وهموم سامية، ومن أمثلة ذلك:

- التفكير في أعمال الخير وصنائع المعروف.

- السعي في تطوير النفس واكتساب مهارات شخصية أصبح لا غنى عنها اليوم للتفوق والتميز.

- الاهتمام بأحوال الأمة والبحث عن طرق نجدة المستضعفين.

- البحث عن سبل زيادة دخلك وتنمية موارد الرزق الحلال.

هذه  كلها نماذج لأفكار و (هموم) إيجابية إن استقرت في قلبك، فستطرد عن ذهنك الخواطر والهموم الشهوانية.

قرأت مرة كلمة للأستاذ أبي الأعلى المودودي يوصي فيها الشباب بحمل همِّ الدعوة إلى الله، ويبين لهم أن هذا الهمَّ الصادق هووحده القادر على إحداث التغيير المنشود، وهو مثل للهمة العالية حين تطرد الهمم السافلة، فقال رحمه الله:

«إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نارا متـقدة تكون في ضرامها على الأقـل مثـل النار التي تتـقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده، ولا تـزال تـقـلـقه و تضطره إلى بذل الجهد والسعي، وهذه العاطفة مالم تكن راسخة في أذهانكم ، ملتحمة مع أرواحكم و دمائكم ، آخذة عليكم ألبابكم وأفكاركم ، فإنكم لا تـقـدرون أن تحرِّكوا ساكناً بمجرد أقوالكم».

للإستماع لنص التدوينة اضغط هنا

للأنتقال مباشرة للجزء الثانى للعادة السيئة ... خطواط العلاج اضغط هنا



 

اضف تعليقك

لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 128 زوار  على الموقع