وسمع عذاب القبر

عن زيد بن ثابت [ت: 45] قال: بينما النبي (ص) في حائط لبني النجار على بغلة ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا. قال (ص): «فمتى مات هؤلاء؟». قال: ماتوا في الإشراك، فقال (ص): «إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع» 1.

عذاب القبر ... سمعه رسول الله (ص) بأذنه طوال حياته فكان كلما أشرف على قبر أو مر عليه استعاذ من عذاب القبر؛ ولذا كان الأمر عنده رأي عين، وبعثه الله -عز وجل- إلينا ليخبر الناس بما عندهم غيب وعنده شهادة، ومن رحمته بنا أنه لم يدْعُ بأن نسمع ما سمع، وإلا امتلأت الأرض بجثث الأموات وأسنت الحياة وتعفنت، لكن عذاب القبر تسمعه البهائم؛ ولذا حادت به بغلته (ص) فيسمعه كل الخلائق إلا الإنس والجن ولو سمعاه لصعقا.

ولأنه رأى -وليس من رأى كمن سمع- فقد أمرنا أمرًا جمع فيه غاية حبه وخوفه على أمته فقال:

«استعيذوا بالله من عذاب القبر، إنهم يعذبون في قبورهم عذابًا تسمعه البهائم» 2.

ولأنه (ص) رأى وسمع ما حدث في القبر وجرى كان أشد المناظر فظاعة عنده ... منظر قبر !!

قال رسول الله (ص):

«ما رأيت منظرًا إلا والقبر أفظع منه» 3.

ولفظاعة منظره ولهول ما يحدث فيه كان عثمان بن عفان [ت: 35] كلما وقف على قبر بكى حتى بلَّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتذكر القبر فتبكي !! قال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول:

«القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشد» 4.

وسمعه مولاه هانئ ينشد على قبر:

فإن تنجُ منها تنجُ من عظيمة..... وإلا فإني لا إخالك ناجيا

إخواني .. الميت يصيح في قبره ولا يسمعه أحد ويستغيث ولا مغيث:

أنا في القبر وحيدٌ..... قـد تبــرَّا الأهــل منـي

أسلموني لذنوبـي...... خِبْتُ إن لم تعفُ عني

ولهذا كان لأبي هريرة [ت: 58] صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره، ينفخ بهما روح اليقين في القلوب البالية، ويقول: ذهب وجاء النهار وعُرض آل فرعون على النار، فلا يسمعه أحد من الناس إلا استعاذ بالله من النار 5.


([1])صحيح: رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها رقم: 2867.

([2])صحيح: رواه أحمد والطبراني عن أم مبشر كما في ص ج ص رقم: 942 والصحيحة رقم: 1444.

([3])صحيح: رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة tكما في ص ج ص رقم: 5623.

([4])حسن: رواه ابن ماجة عن عثمان بن عفان t، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة رقم: 3442.

([5])نزهة الفضلاء 1/267 . ط دار الأندلس الخضراء.

 

اضف تعليقك

 
#1 خالد شاهين السبت, 15 أكتوبر 2011
اعانكم الله على فعل الخير وثبتكم على الطريق
اقتباس
 
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 92 زوار  على الموقع