الأذان

وانظر بقلبك إلى ثواب الأذان وابك على ما ضاع منك من ثواب، فعن أبي عمارة البراء بن عازب t[ت: 71] قال: قال النبي (ص):

«إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يُغفر له مدى صوتهويُصدِّقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه» 2.

تأمل أخي:

أي أنك إذا أذَّنت مثلاً لصلاة الفجر فصلى خلفك 10 مصلين، فكأنك قمت عشر ليالٍ، لأن من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، وإذا أذنت لصلاة العشاء فصلى معك 60 مصليًا؛ فأنك قمت الليل شهرًا؛ لأن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، وأنت – أيها المؤذن – الذي دللت هؤلاء المصلين على هذا الخير بأذانك.

ألا تصدقون .. ألا تؤمنون؟! كلا .. بل لا توقنون، ولو أيقنتم لكان الحال غير ما أنتم عليه عاكفون.

لما سمع الصحابة ذلك غبطوا المؤذنين لعظيم ثوابهم عند الله، وأراد كل منهم أن ينال ما نالوه من ثواب، ولكن أني لهم ذلك وما من مسجد إلا مسجد واحد، فذهب رجل إلى النبي (ص) قائلاً: يا رسول الله .. إن المؤذنين يفضلوننا، فقال النبي (ص) دالاًّ إياه على وسيلة التعويض:

«قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تُعطه» 3.

آه.. لو أيقن الناس بما في الأذان من ثواب وفضل ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، كما فعل الصحابة يوم القادسية بعد أن أصيب المؤذن فتشاحَّ الناس في الأذان، فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص [ت: 55] فأقرع بينهم، مما دفع الإمام البخاري [ت: 256] إلى أن يورد ذلك في صحيحه (باب الاستهام في الأذان، ويذكر أن أقوامًا اختلفوا في الأذان فأقرع بينهم سعد)؛ ولذا جاء في الحديث الأشمل:

«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا» 4.

ومعنى «لو يعلم» أي لو أيقنوا بما ادخر لهم من الثواب الجزيل مما لا يدخل تحت حصر أو عد، فكل علم لا ينبني عليه عمل هو علم ناقص أو شك ظاهر، ولو أن رجلاً أخبرك أن عقربًا تحت قدمك، فقلت له: جزاك الله خيرًا على نصيحتك، وسأسعى في البعد عنه في أقرب فرصة، دون أن تنتفض هاربًا، أتكون قد علمت؟! هذا علم وما هو بعلم، أو فهم وما هو بيقين، ولو أيقنت حقًّا لقفزت وصرخت، وفي الحديث تجهيل للمتساهلين في هذه العبادة، وتقريع لهم بأنهم يرتابون في قول الصادق المصدوق، وإلا كانوا أول العاملين بما يقول.

إن في الحديث تصريحًا بأن الناس لو علموا ثواب الله وعاينوه لازدحموا عليه حتى يقترعوا من عظمة ما رأوا، ولكن هذا الثواب غيب، ومن لم يصدِّق رسول الله تحسَّر غدًا حين يتراءى أهل الجنة لبعض، ويرى ساكن أدنى درجات الجنة ساكن الفردوس الأعلى فيها.

إخواني..

أيكون حالنا كحال هؤلاء أم كحال أصحاب عمر بن الخطاب [ت: 23] الذي كان حريصًا على اختبار منسوب اليقين في قلوب الناس، ومواظبًا على التحليل الإيماني المستمر والمراقبة الدائمة لأحوال الأمة، والتغيرات التي قد تطرأ على كل شرائحها في علاقتها بربها، فسأل أصحابه يومًا: من مؤذنوكم اليوم؟ قالوا: موالينا وعبيدنا، فقال: «إن ذلك لنقص كبير» 5.

البنا يرفع البناء

وانظروا إلى الهمة العالية التي حازها الإمام الشهيد حسن البنا [ت: 1368] الذي فكر وهو ما زال غلامًا كيف ينال أعظم أجر من هذه العبادة (الأذان) .. أيختار أكبر مسجد فيؤذن فيه ليحصد أجور أكبر عدد من المصلين، أم أن هناك وسيلة أذكى لنيل أجر أوفى؟!

إلى أن هداه تفكيره إلى فن من فنون كسب الحسنات هو أعظم وسيلة من وسائل استخلاص الحسنات من عبادة كعبادة الأذان، فقال رحمه الله:

«وكنت أجد سعادة كبيرة وارتياحًا غريبًا حين أوقظ المؤذنين لأذان الصبح، ثم أقف بعد ذلك في هذه اللحظة السحرية الساحرة على نهر النيل، وأصغي إلى الأذان ينطلق من حناجرهم في وقت واحد؛ إذ كانت المساجد على مسافات متقاربة في القرية، ويخطر في بالي أنني سأكون سببًا ليقظة هذا العدد من المصلين وأن لي مثل ثوابهم» 6.


([1])قال الخطابي: يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ هذه المسافة لغفرها الله.

([2])صحيح: رواه أحمد والنسائي كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم: 230.

([3])صحيح: رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو tكما في صحيح الترغيب والترهيب رقم: 251.

([4])صحيح: رواه مالك وأحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة tكما في ص ج ص رقم: 5339، والتهجير هو التبكير لصلاة الظهر.

([5])حلية الأولياء 4/161.

([6])مذكرات الدعوة والداعية ص 36. الإمام الشهيد حسن البنا. ط دار التوزيع والنشر الإسلامية.

 

اضف تعليقك

لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 114 زوار  على الموقع