التوهم

ومعناه أن يكون للإنسان جلسات يراجع فيها نفسه ويعيش في أجواء الآخرة، وينعزل عن الحياة الدنيا، ليعيش التفاصيل التي سوف يشهدها عاجلاً كان أم آجلاً.

من هؤلاء المتوهمين: الحارث المحاسبي الذي ألف كتابًا في هذا الشأن سماه (التوهم) عرض فيه إلى حال الإنسان من الاحتضار إلى أن يصل إلى الجنة أو النار.

ومنهم ضرار بن مرة [ت: 132] الذي حفر قبره قبل موته بخمس عشرة سنة فكان يأتيه فيختم فيه القرآن!! 1.

وكذلك ورد هذا عن الإمام القدوة العابد الربيع بن خثيم [ت: 65]، فتُرى فيم كان يفكر الربيع وضرار حين كانا يرتديان الأكفان ويتوسدان التراب؟!.

يخبرك عن هذا أخوهم في المجاهدة ورفيقهم في درب التوهم إبراهيم التيمي [ت: 110] فيقول:

«مثَّلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثَّلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحًا. قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي» 2.

هي وصية الصالحين على اختلاف العصور والأزمان سبق ونصحك بها أبو الفرج ابن الجوزي [ت: 597] فقال:

«مثِّل لنفسك صرعة الموت، وما قد عزمت أن تفعل حينئذٍ وقت الأسر، فافعله وقت الإطلاق» 3.

وهي الطريقة التي انتهجها أبو عثمان المنتجب الواعظ في دعوة نور الدين محمود بن زنكي فنقلته من الظلمات إلى النور، وأثرت فيه أيما تأثير، وجعلته يقضي على المظالم في عهده، ويغلق حانات الخمور التي انتشرت، وذلك أن المنتجب أرسل إليه قصيدة صنعها خصيصًا من أجله جاء فيها:

مثّــِل وقـوفــك أيـهـــا المغـــــرور ..... يوم القيـامــة والسمــاء تمــور

إن قيـل نـور الديـن رحت مُسَلِّمًـــا...... فاحـذر بـأن تبقـى ومالك نــور

أنهيت عن شرب الخمور وأنت من..... كـأس المظــالم طـافـح مخمور

عطّـَلـت كـاســـات المـدام تعـفـفًــــا..... وعليـك كـاســات الحـرام تدور

مــاذا تــقــول إذا نُقـلت إلى البـلــى...... فـردًا وجـاءك منـكـــرٌ ونـكيـر

وتعلَّـقـت فيــك الخصــوم وأنت فـي ....... يوم الحساب مُسَحَّب مجرور

وتفـرقــت عنـك الجنــود وأنت فـي...... ضـيق اللحـود مُوَسّـَد مقـبور

ووددت أنـك مـا ولـيـت ولايــــــــة...... يومــًا ولا قـال الأنــام: أميــر

وبقيت بـعــد العـــز رهـن حُفيـــرة...... فـي عالـم الموتـى وأنت حقير

وحُشـرت عريانًـا حزينًـا باكيًـــــا...... قـلقـًا ومـالك فـي الأنــام مجـيـــر

أرضيـت أن تحـيــا وقلبـك دارس...... عافي الخراب وجسمك المعمور

أرضيـت أن يحظـى سواك بقربه....... أبـدًا وأنت مُبعّــَد مـهـجــــــــور

مهّـِد لنفسـك حجـة تنجـو بهـــا........ يـوم المـعــاد لعــلك المعـــــذور

قال راوي القصة وهو صاحب كتاب الروضتين:

«ولعل هذه الأبيات كانت من أقوى الأسباب المحركة إلى إبطال تلك المظالم، والخلاص من تلك المآثم، رضي الله عن الواعظ، والمتعظ بسببه، ووفق من رام الاقتداء به» 4.


([1])صفة الصفوة 3/56.

([2])صفة الصفوة 3/44.

([3])المدهش ص 184.

([4])كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية 55- 57 شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، ط مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى. 1997.

 

اضف تعليقك

 
#7 376300 الأحد, 20 أبريل 2014
كم نحبك ياشيخنا الاستاذ خالدابو شادي
نحبك فالله
اقتباس
 
 
#6 وردة الامل الأحد, 05 مايو 2013
جزاكم الله خير
اقتباس
 
 
#5 خديجة ابراهيم الأحد, 05 مايو 2013
جزاك الله خير
اقتباس
 
 
#4 جهاد عاطف الشربينى الأربعاء, 30 يناير 2013
كتاب رائع
اقتباس
 
 
#3 ام عمير الأربعاء, 18 مايو 2011
ما شاء الله اللهم بارك
اقتباس
 
 
#2 آلاء العملة الخميس, 21 أكتوبر 2010
اشكرك جزيلا شيخي على هذه الافادة
ووضع كتاباتك هذه على موقعك وامكانية
الاستفادة منها بسهولة انما ينم عن حبك للخير
وزهدك في الدنيا وحرصك على تعميم الفائدة جزاك الله عنا كل خير
اقتباس
 
 
#1 shamselhajeer السبت, 16 أكتوبر 2010
i remember first Ramadan after my father's death, nothing could make me calm except for the Quraan and Prayers. and i call the night of the Eid when i came to sleep ,i started arguing with myself if i should pray qeyam that night or just rest and sleep. i said to my self i worked hard through the month of Ramadan, praying qeyam every night may be it's time to have some rest. then i put my self in bed, just then i saw the blanket warping around my legs and i heard that voice saying: wa eltafat esaq bisaq ela rabeka yawma ezen el masaq. i jumped out of bed i prayed qeyam of that night, and my life changed for good
اقتباس
 
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية
لافتة إعلانية

احصائيات الموقع

حاليا يتواجد 132 زوار  على الموقع